(الثَّلَاثَةِ، فَلَهُ فِعْلُهُ) أَيْ: الْمَنْذُورِ مِنْ اعْتِكَافٍ أَوْ صَلَاةٍ (فِي غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ إلَّا مَسْجِدَ قُبَاءَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ: وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَظَاهِرُهُ: لَا كَفَّارَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ.
(وَإِنْ نَذَرَهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ (فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهَا) لِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ (وَلَهُ شَدُّ الرَّحْلِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ.
(وَأَفْضَلُهَا: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) ، وَهُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلُهُ، وَزَادَ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» .
، وَكَوْنُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَمْ يُفْرَضْ إتْيَانُهَا شَرْعًا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مُوجِبٌ لِمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِهَا مُمْتَنِعٌ لِثُبُوتِ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا بِالنَّصِّ.
(فَإِنْ عَيَّنَ الْأَفْضَلَ مِنْهَا) وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ (فِي نَذْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ) الِاعْتِكَافُ وَلَا الصَّلَاةُ (فِيمَا دُونَهُ) لِعَدَمِ مُسَاوَاتِهِ لَهُ (وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ) أَيْ: إنْ عَيَّنَ الْمَفْضُولَ مَعَهَا أَجْزَأَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَمَنْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ فِيهِ، فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ وَإِنْ عَيَّنَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا فَسَأَلَهُ فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute