يفلس - خلافا للشافعي وأبي حنيفة في قولهما إن الهبة والصدقة لا يلزمان بالقول ولا يجبان إلا بالقبض، وأن للواهب أو المتصدق الرجوع فيها ما لم تقبض منه وتحز عنه، والحجة لمالك ومن قال بقوله في وجوبه الصدقة والهبة بالقول، قول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١]، والعقد هو الإيجاب والقبول، وذلك موجود في مسألتنا وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهب لولده»، ومن طريق المعنى: فإن الصدقة والهبة لو لم ينعقدا بالقول، لما لزما بالقبض؛ لأن مجرد القبض إذا ألغي القول ولم يجعل له حكم لا يوجب الصدقة ولا الهبة، ففي اتفاقنا على لزوم الصدقة والهبة بالقبض، دليل على انعقادهما بالقول، إذ القبض لا بد أن يكون تاليا لعقد متقدم، ومتى لم يكن تاليا لعقد متقدم، لم يوجب حكما بانفراده.
[فصل]
والعقود التي تنتقل بها الأملاك تنقسم على قسمين: بعوض وعلى غير عوض.
فأما ما كان منها على عوض فلا يفتقر إلى حيازة، لارتفاع التهمة في ذلك، وما كان بغير عوض كالهبة والصدقة، فمن شرط تمامه وكماله القبض عند مالك وجميع أصحابه.
[فصل]
وقد اختلف في الزيادة في ثمن السلعة أو صداق المرأة، فحكم لها بحكم الهبة في افتقارها إلى الحيازة والقبض في بعض المواضع دون بعض، أما مالك وأصحابه فلم يجروا في ذلك على قياس، وخالفهم جماعة من فقهاء الأمصار، فحكموا لها بحكم الثمن في كل موضع كان البيع وقع عليها؛ واحتجوا «بحديث جابر بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابتاع منه بعيره وزاده عند القضاء