وأما من احتاج إلى النكاح ولم يقدر علي الصبر دون النساء ولا كان عنده مال يتسرى به وخشي على نفسه العنت إن لم يتزوج فالنكاح عليه واجب. ومن لم يحتج إليه وخشي أن لا يقوم بما أوجب الله عليه فيه فهو له مكروه. فمن الناس من يجب عليه النكاح، ومنهم من يستحب له، ومنهم من هو جائز له ومباح من غير استحباب، ومنهم من يكره له على ما بيناه. فالقول: إنه واجب على الإطلاق أو مندوب إليه على الإطلاق ليس بصحيح. وكذلك المرأة قد يكون عليها النكاح واجبا، وقد يكون لها مستحبا، وقد يكون لها مباحا جائزا، وقد يكون لها مكروها. وأما الوطء بملك اليمين فإنما هو من قبيل المباح، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
[فصل في بيان ما يحرم نكاحه من النساء]
وقوله عز وجل:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[النساء: ٣] ليس على عمومه، وكذلك قَوْله تَعَالَى:{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}[النور: ٣٢] وهن اللواتي لا أزواج لهن أبكارا كن أو ثيبا ليس على عمومه أيضا؛ لأن الله تعالى خص من ذلك من حرمه من النساء، وذلك سبع عشرة امرأة، وهي الأم، والابنة، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت، والأم والأخت من الرضاعة، وأم الزوجة، وبنت الزوجة وهي الربيبة، وزوجة الابن، وزوجة الأب، والجمع بين الأختين، والمحصنات وهن ذوات الأزواج، والمجوسيات، والإماء الكتابيات. سبع بالنسب، واثنتان بالرضاع، وست بالصهر، واثنتان بالدين، فقال تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}[النساء: ٢٣] فهؤلاء المحرمات بالنسب، وقال تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}[النساء: ٢٣] فهاتان المحرمتان بالرضاعة وقال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء: ٢٣]