للمسلم أن يأخذ في رأس ماله خلاف الجنس الذي أسلم فيه، مثل تمر من قمح، وأن يؤخره برأس ماله، وأن يأخذ بعضه ويضع عنه بعضه باتفاق، ولم يجز له أن يأخذ برأس ماله دنانير إن كان دراهم ولا ما أشبه ذلك مما لا يجوز له أن يسلم رأس ماله فيه باتفاق أيضا، واختلف هل يجوز له أن يأخذ منه من جنس سلمه شيئا أم لا؟ على ثلاثة أقوال، (أحدها) أنه لا يجوز له أن يأخذ منه شيئا من ذلك، لا سمراء من سمراء ولا محمولة من سمراء ولا قمحا من شعير، وهذا هو ظاهر الكتاب (والثاني) أنه يجوز له أن يأخذ منه ما شاء من ذلك، وهو قول ابن لبابة (والثالث) أنه يجوز له أن يأخذ منه محمولة من سمراء وقمحا من شعير، ولا يجوز له أن يأخذ منه محمولة من محمولة ولا سمراء من سمراء، وهو قول الفضل. وأما إن كان الفساد مختلفا فيه فلا يجوز له أن يأخذ منه قبل الحكم بالفسخ خلاف الجنس الذي أسلم إليه فيه، ولا أن يؤخره برأس ماله، ولا أن يأخذ منه بعضه ويضع عنه بعضه، باتفاق، لأن ذلك كله بيع الطعام قبل أن يستوفى، على قول من يجيزه، فإن أراد أن يأخذ منه شيئا من جنس سلمه، فعلى الثلاثة الأقوال المذكورة بعد الحكم في الفساد المتفق على تحريمه، وذهب عبد الحق إلى أن السلم إذا فسخ بالحكم جاز له أن يأخذ برأس ماله دنانير وهو دراهم، وذلك بعيد غير صحيح، فلا يعد في الخلاف، وتراضيهما بالفسخ كالحكم بالفسخ عند أشهب، وضعف ذلك ابن المواز.
[فصل]
وإنما لم يجز السلم في الدور والأرضين، لأن السلم لا يجوز إلا بصفة، ولا بد في صفة الدور والأرضين من ذكر موضعها، وإذا ذكر موضعها تعينت، فصار السلم فيها كمن ابتاع من رجل دار فلان على أن يتخلصها له منه، وذلك من الغرر الذي لا يحل ولا يجوز، لأنه لا يدري بكم يتخلصها منه، وربما لم يقدر على أن يتخلصها منه، ومتى لم يقدر على أن يتخلصها منه رد إليه رأس ماله فصار مرة بيعا ومرة سلفا وذلك سلف جر نفعا.