تقتل الأنثى بالذكر ولا الذكر بالأنثى ما روي من أنها إنما وردت ناسخة لما كانت عليه القبائل في الجاهلية من التعالي والتعزز بعضها على بعض فكان إذا عزت القبيلة القبيلة بكثرة العدد والمنعة وعلت عليها بذلك فقتل حر من القبيلة العزيزة لحر من القبيلة المعزوزة لم يسلموه للقصاص وبذلوا موضعه عبدا أو امرأة. وإذا قتل عبد من المعزوزة لعبد من العزيزة أو حرة لحرة لم يرضوا بالقصاص منهما وطلبوا موضع العبد حرا وموضع المرأة رجلا، فأمر الله عباده المؤمنين ألا يمتثلوا ذلك وأن يقتلوا الحر القاتل بالحر المقتول والعبد القاتل بالعبد المقتول، والأنثى القاتلة بالأنثى المقتولة. ولا جائز أن يكون معنى الآية غير هذا لأن الله تعالى يقول:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥] وأجمع المسلمون على أن الرجل يقتل بالمرأة والمرأة بالرجل على الشرط الذي ذكرناه، وهو ألا يكون المقتول ناقصا عن مرتبة القاتل بعدم حرية أو إسلام، إلا أن من أهل العلم من قال إن الرجل إذا قتل بالمرأة قضي له بنصف الدية، وهو عثمان البتي، وهو قول مرغوب عنه ترده الأصول.
[فصل]
وقد روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الآية تأويل جيد ظاهر رواه عنه أبو المصعب وهو أنه قال أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية: الحر بالحر أن معنى ذلك الجنس، الذكر والأنثى فيه سواء. وكذلك العبد بالعبد معناه الجنس الذكر والأنثى سواء. وأعاد تعالى ذكر الأنثى بالأنثى إنكارا لما كان من أمر الجاهلية. ألا ترى أن {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥] إلى قوله {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: ٤٥] بالمساواة في ذلك الحرية في جنسها والعبودية في جنسها. وهذا جيد لأن الألف واللام إنما يدخلان على الواحدة للتعريف إما بالعهد وإما باستغراق الجنس، فإذا لم يكن عهد فلا بد أن يحمل على استغراق الجنس وإلا كان نكرة فكأنه قال تعالى على هذا التأويل الأحرار بالأحرار والعبيد بالعبيد.