الماشية فيما أفسدت ماشيته بالليل، وأما في صفة التضمين فهو على خلاف ما قضى به سليمان، لأنه قضى لصاحب الزرع أن يستوفي من نسل الماشية ورسلها ما كان يخرج من زرعه على المتعارف. وأما ما قضى به داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيحتمل أن يتأول على شرعنا لأنه قضى بالغنم لصاحب الزرع، فيحتمل أن تكون قيمة الزرع على الرجاء والخوف مثل قيمة الغنم أو أكثر ولا مال لصاحب الغنم غيرها.
وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا: دخل رجلان على داود صلى الله على نبينا وعليه وسلم، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: يا نبي الله إن هذا أرسل غنمه في حرثي ليلا فلم يبق لي منه شيئا. فقال له اذهب فإن الغنم لك كلها، فقضى بذلك داود. فمر صاحب الغنم إلى سليمان فأخبره بالذي قضى به داود فدخل سليمان على داود فقال: يا نبي الله إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال وكيف؟ قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، وإن الغنم لها نسل في كل عام. فقال له داود قد أصبت والقضاء ما قضيت. فهذا معنى قوله:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء: ٧٩].
[فصل]
وليس في قَوْله تَعَالَى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء: ٧٩] دليل على أنه أصاب الحق عند الله في قضائه هذا، وأن داود أخطأه كما يقول من يذهب إلى أن الحق في طرف وأن المجتهد إنما كلف طلب الحق ولم يكلف إدراكه. بل في الآية ما يدل على أن ما حكم به كل واحد منهما حق عند الله في حقه لأنه قال تعالى:{وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء: ٧٩] ومن أخطأ في قضية فلا يوصف بأنه أوتي حكما وعلما. وطريق هذه المسألة القطع والعلم لا غلبة الظن، فلا يصح أن يستدل فيها بشيء من الظواهر المحتملة. والذي يقوله المحققون أن كل مجتهد مصيب، وهو الصواب الذي لا يصح خلافه، لأن الله تعالى تعبد المجتهد باجتهاده، فهو مأمور أن يقضي به ويحل