المدونة في هذا الوجه كلام طويل واختلاف في الرواية يرجع الكلام على الرواية الواحدة إذا حملته على ظاهره أن المبتاع يرجع على البائع بقيمة العيب وما ينوبه من الربح على حكم التدليس بالعيب بانفراده؛ وعلى هذه الرواية اختصر المسألة ابن أبي زمنين وهي جل الروايات؛ وعلى الرواية الثانية جعل الحكم في المسألة حكم الكذب في الثمن بانفراده وهو الأظهر من مراد ابن القاسم - في الكتاب وقصده؛ لأنه لو قصد إلى حكم العيب بانفراده، لقال: يرجع بقيمة العيب وما ينوبه من الربح، فاستُغنِي عن التطويل في ذكر القيمة واعتبارها بما إذا حصل لم يرجع إلى معنى فيه فائدة، وهذا كله فيه نظر؛ والصحيح ما نذكره بعد ونعتمد عليه من التأويل إن شاء الله تعالى؛ لأن الرجوع بقيمة العيب وما ينوبه من الربح أفضل للمشتري في هذه المسألة؛ فإذا كان ذلك أفضل له، فمن حقه أن يطالب به على مذهب ابن القاسم؛ لأن العتق والتدبير والصدقة على مذهبه فوت يوجب للمبتاع الرجوع بقيمته.
فهذه الرواية على هذا التأويل تضاهي رواية زياد عن مالك: أن من اشترى عبدا فوهبه أو تصدق به فهو فوت ولا رجوع له بقيمة العيب إلا أن يتأول أن المعنى فيها أنه رضي بالعيب، فطالب بحكم الكذب، وأما الرواية الأولى فتحمل على ما تأول ابن أبي زمنين أن تكون إنما أرجع المبتاع فيها بقيمة العيب وما ينوبه من الربح على حكم التدليس بالعيب؛ لأن ذلك هو أفضل للمشتري وهو بعيد في الظاهر.
[فصل]
ولو اشترى السلعة معيبة وهو عالم بعيبها، ثم باعها مرابحة بأكثر مما اشتراها به وكتم العيب، لكان أبين في اجتماع الكذب والتدليس بالعيب، ولوجب إذا فاتت السلعة بذهاب عينها أو ما يقوم مقام ذهاب العين، أن يكون للمشتري المطالبة بالوجهين جميعا، فيرجع على البائع بقيمة العيب وما ينوبه من الربح، ثم يقال للبائع: حط عنه الكذب أيضا وما ينوبه من الربح؛ فإن أبى من ذلك، كانت على المبتاع القيمة، إلا أن تكون أكثر من الثمن الذي باع به بعد إلغاء قيمة العيوب وما ينوبه من الربح؛ فلا يزاد البائع على ذلك، أو تكون القيمة أقل من الثمن الصحيح بعد إلغاء قيمة العيب. وما ينوبه من الربح فلا ينقص المبتاع من ذلك؛ وعلى هذا