أشهد على النكاح شاهدين وأمر بالكتمان، فقيل ذلك من نكاح السر، ويفسخ قبل الدخول وبعده إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ ويكون فيه الصداق المسمى، وهو المشهور في المذهب. وقيل: النكاح صحيح لا فساد فيه، ويثبت قبل الدخول وبعده، ويؤمر الشهود بإعلان النكاح وينهوا عن كتمانه. وإلى هذا ذهب يحيى بن يحيى وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
[فصل]
والنكاح من العقود اللازمة التي تلزم بالعقد، ولا خيار لأحد المتناكحين في حله بعد العقد بمنزلة البيع وما أشبهه من العقود اللازمة، إلا أن النكاح طريقه المكارمة فيجوز فيه من المجهول ما لا يجوز في البيع. من ذلك النكاح على عبد غير موصوف وعلى شوار بيت وما أشبه ذلك مما لا يجوز في البيع ويجوز في النكاح. ولهذا المعنى جاز التفويض فيه. ألا ترى أن هبة الثواب لما كانت على سبيل المكارمة وطريق المعروف ولم تكن على وجه المكايسة جازت من غير تسمية العوض. وقد تقدم لجواز التفويض في النكاح معنى صحيح غير هذا لم أره لأحد ممن تقدم قبلي. وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أشبه شيء بالبيوع النكاح، فهو يشبهه في بعض الوجوه ويفارقه في أكثر الحالات، فهو في باب الصداق أوسع من البيوع، وفي باب العقد أضيق من البيع. ألا ترى أن هزله جد في المشهور من المذهب. وقد روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هزله هزل ولا يلزم إلا بالجد، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم، وأن من قال لرجل زوجتي وليتك بكذا وكذا فقال قد فعلت فقال الخاطب لا أرضى أن النكاح يلزمه قولا واحدا بلا خلاف، خلاف البيوع؛ وأن الخيار لا يجوز فيه كما يجوز في البيوع وما أشبه ذلك كثير.
[فصل]
والنكاح ينعقد بلفظ النكاح ولفظ التزويج، ولا ينعقد بما سوى ذلك من العقود حاشا الهبة فإنه قد اختلف: هل ينعقد النكاح بها أم لا على قولين: أحدهما