فلا يصح البيع إلا أن يكون سالما من الغرر الكثير، لأن الغرر اليسير الذي لا تنفك البيوع منه مستخف مستجاز فيها.
[فصل]
وإنما يقع الاختلاف بين العلماء في فساد بعض أعيان العقود لاختلافهم فيما فيه من الغرر، هل هو من جنس الكثير الداخل تحت نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر المانع من صحة العقد، أو من جنس اليسير المستخف المستجاز في البيوع الذي لا يمنع من صحة العقد.
[فصل]
والغرر الكثير المانع من صحة العقد يكون في ثلاثة أشياء (أحدهما) العقد (والثاني) أحد العوضين: الثمن أو المثمون، أو كليهما. (والثالث) الأجل فيهما أو في أحدهما، فأما الغرر في العقد فهو مثل نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة وعن بيع العربان، وعن بيع الحصاة، على أحد التأويلين، وما أشبه ذلك مما لا جهل فيه في ثمن ولا مثمون، وإنما حصل الغرر فيه بانعقاده بين المتبايعين على هذه الصفات؛ ومن هذا المعنى بيع المكيل والجزاف في صفقة واحدة، والقول فيما يجوز من بيع الجزاف والمكيل في صفقة واحدة، يتحصل بأن يعلم أن من الأشياء ما الأصل فيه أن يباع كيلا ويجوز بيعه جزافا، كالحبوب، وأن منها ما الأصل فيه أن يباع جزافا ويجوز بيعه كيلا، كالأرضين والثياب، وأن منها عروضا لا يجوز بيعها كيلا ولا وزنا كالعبيد والحيوان، فالجزاف مما أصله أن يباع كيلا كالحبوب لا يجوز بيعه مع المكيل منه، ولا مع المكيل مما أصله أن يباع جزافا، كالأرضين والثياب باتفاق، والجزاف مما أصله أن يباع جزافا لا يجوز أن يباع مع الميكل منه باتفاق أيضا،