على ما قدمناه. وقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه واجب بالعقل، وأن الشرع ورد بتأكيد ما في العقل منه، ولو لم يرد فيه شرع لاكتفي بإيجاب العقل له. والصحيح أن العقل لا حظر فيه ولا إباحة.
[فصل]
وإنما منع من الحكم بالقياس أهل التعطيل والزيغ، فقال منهم قائلون إنه محال لا يصح ورود الشرع به، وقال داود وابنه ليس من المستحيل، ولو ورد في الشرع لكان جائزا ولكنه لم يرد به شرع. فمنهم من يدعي أنه لا نازلة إلا وفي الكتاب عليها نص، ومن بلغ هذا الحد فقد سقط تكليمه لأنه عاند الحق وجحد الضرورة، وإن كلمناه مسامحة أوردنا عليه نوازل مثل العول في الفرائض وتقدير أروش الجنايات، وتقويم المتلفات، ومقاسمة الجد الإخوة والأخوات، ومثل ثوب أطارته الريح في قدر صباغ، ودينار وقع في مجمرة رجل وما أشبه ذلك، وطالبناه بالنص على ذلك من الكتاب فلا شك في عجزه عن ذلك. والحذاق منهم يقرون أن النص لم يحط بجميع أحكام النوازل، وأن منها عفوا مسكوتا عنه لا حكم لله فيه، وأنه قد بين في الكتاب والسنة أنه لا حكم لله فيما سكت عنه. وقائل هذه المقالة لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يحكم في هذه النوازل عند نزولها بهواه فيقع في أشد مما أنكر علينا؛ لأنا لا نحكم فيها بالهوى وإنما نحكم فيها بأدلة الشرع؛ لأن الله تعالى قد نهى عن الحكم به فقال:{وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦]، وقال:{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات: ٤٠]{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات: ٤١]. وإما أن يترك الحكم فيها فيؤول ذلك إلى إبطال الأحكام ووقوع الحرب والقتال، وهو باطل بإجماع. ومنهم من يقول إن ما لا نص فيه فهو باق على حكم العقل من حظر وإباحة كل على مذهبه، وهذا باطل، إذ لا يمكن من جهته