للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حد القذف. واختلف الفقهاء المتأخرون من القرويين إذا نكلت المرأة عن اللعان بعد لعان الزوج ثم أرادت أن ترجع إلى اللعان هل يكون ذلك لها أم لا؟ فمنهم من رأى ذلك لها وقال لا يكون نكولها عن اللعان أقوى من إقرارها بالزنا، وهي لو أقرت به ثم رجعت قبل رجوعها. ومنهم من لم ير ذلك لها لما تعلق به من حق الزوج.

والأول أصح. وانظر هل يدخل هذا الاختلاف في الزوج إذا نكل عن اللعان ثم أراد أن يرجع إليه هل يكون له ذلك أم لا، فقد قيل: إنه يدخل في ذلك، والصحيح أنه لا يدخل فيه. والفرق بين الرجل والمرأة في ذلك أن نكول المرأة عن اللعان كالإقرار منها على نفسها بالزنا، ولها أن ترجع عن الإقرار به. ونكول الرجل عن اللعان كالإقرار منه على نفسه بالقذف فليس له أن يرجع عن الإقرار به. وزعم العراقيون أن المرأة إذا نكلت عن اللعان لم تحد وحبست، وكذلك عندهم إذا نكل الزوج عن اللعان حبس ولم يحد، وتركوا قول الله عز وجل: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: ٨]، وقد تأول لهم متأول أن العذاب هو السجن، لقول الله عز وجل: {إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: ٢٥] ولم يعرف ما احتج به؛ لأن العذاب الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية هو غير السجن وليس بمعين، وإنما قالت كذا وكذا، هم يحكمون بالنكول في الحقوق بغير يمين من الطالب، وجعلوه بمنزلة الإقرار والملاعن قد تقدمت أيمانه على ما ادعى، ثم لا يحكمون على المرأة بنكولها وقد أنزل الله فيها من القرآن ما أنزل فتركوا فيما ذهبوا إليه في هذا النص والقياس جملة، إلا أنهم زعموا أن الحدود لا تؤخذ قياسا.

[فصل]

وأما السنة فما ثبت في الآثار الصحاح من ملاعنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين عويمر العجلاني وزوجه، وبين هلال بن أمية الواقعي وزوجه أيضا. وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين أن اللعان بين الزوجين من شرعنا، وأن الأحكام تتعلق به على الاختلاف الحاصل بينهم في بعض وجوه تفاصيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>