للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

امسح رأسك إلا ثلثه. ولو صح أن الباء تصلح للمعنيين وأشكل الأمر لكان فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دافعا للإشكال لأنه مسح جميع رأسه وقال هذا وضوء لا يقبل الله صلاة إلا به. وما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بعض رأسه شاذ لا يعمل به. ويحتمل أن يكون فعل ذلك لعذر أو مجددا من غير حدث. ولا يجوز عند مالك أن يمسح رأسه على حائل إلا لعلة. وقد رويت إجازة ذلك عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب الثوري وأحمد بن حنبل والأوزاعي وأبي ثور وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد القاسم بن سلام، وبه قال داود بن علي للآثار الواردة في ذلك وقياسا على الخفين. والصحيح ما ذهب إليه مالك؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] فمن مسح على حائل لم يمسح على رأسه. والآثار الواردة في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مضطربة، فقد روي أنه مسح على عمامته فأدخل يده من تحتها، وإن صح أنه مسح عليها فلعله فعل ذلك لعذر أو لتجديد من غير حدث والله سبحانه وتعالى أعلم.

[فصل]

وأما قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] فإن الناس اختلفوا في قراءتها فقرأها قوم وأرجلكم بالنصب عطفا على اليدين، وقرأها قوم وأرجلكم بالخفض. فأما من قرأها وأرجلكم بالنصب عطفا على اليدين فهو الغسل لا كلام فيه؛ لأن الشيء يصح عطفه على ما يليه وعلى ما قبله، وهذا كثير موجود في القرآن ولسان العرب، من ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] وأما من قرأ وأرجلكم بالخفض ففي قراءتها لأهل العلم أربعة أوجه. الأول أنها معطوفة على اليدين وإنما خفضت للجوار والإتباع كما قالوا جحر ضب خرب. وقد قرئ {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرحمن: ٣٥] بالخفض. والثاني أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>