القول بأن المودع إذا اتجر في الوديعة لا يصدق في صرفها إلى موضعها ففي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أن القول قول رب المال، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك. والثاني: أن القول قول المدفوع إليه المال، وهو قول ربيعة ومن تابعه. والثالث: الفرق بين أن يتلف قبل أن يحركه أو بعد أن حركه. فإن تلف قبل أن يحركه كان القول قول المدفوع إليه، وإن تلف بعد أن حركه كان القول قول الدافع وهو قول أشهب.
وأما على القول بأن المودع إذا حرك الوديعة لا يبرأ من ضمانها إلا بصرفها إلى صاحبها فهو ضامن لها دون يمين تلزم الدافع.
[فصل]
وأما إن قال المدفوع إليه أخذته قراضا وقال الدافع بل أبضعته معك لتعمل لي به، فقال في الكتاب إن القول قول رب المال بعد أن يحلف ويكون عليه للعامل إجارة مثله إلا أن تكون إجارة مثله أكثر من نصف الربح فلا يزاد عليه. ومعنى ذلك بعد أن يحلف العامل، لأن وجه ما ذهب إليه أن كل واحد منهما مدع على صاحبه: رب المال يدعي على العامل أنه عمل له في المال باطلا، والعامل يدعي أنه عمل فيه على نصف الربح. فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين كان له أجر مثله إلا أن يكون ذلك أكثر من نصف الربح. وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما. على هذا ينبغي أن تحمل الرواية وتصرف إليه بالتأويل. ولا يلتفت إلى ما في ألفاظها مما يدل على أنه جعل القول قول رب المال فإن نكل كان القول قول العامل على حكم المدعي والمدعى عليه. وعلى ذلك حمل أبو إسحاق التونسي وغيره المسألة. واعترض قوله إذا كان ممن يستعمل مثله في القراض فقال ينبغي إذا نكل رب المال أن يكون القول قول العامل وإن كان ممن لا يستعمل مثله في القراض، لأن رب المال قد مكنه من دعواه وإن كانت لا تشبه بنكوله عن اليمين.