للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بن ياسر أنه قال: لما نزلت آية التيمم عمد المسلمون مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتيمموا إلى المناكب والآباط.» فيحتمل أن يكونوا فعلوا ذلك اتباعا لظاهر القرآن بكل ما يقع عليه اسم يد عند العرب قبل أن يأمرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك بشيء، إذ لا يوجد ذلك للنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في غير هذا الحديث. وعلى هذا اختلف أهل العلم في حد التيمم، فمنهم من ذهب إلى إيجاب التيمم إلى المنكبين، وهو قول ابن شهاب ومحمد بن مسلمة من أصحابنا. ومنهم من ذهب إلى أن التيمم لا يجب إلا إلى المرفقين على ما روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقياسا على الوضوء، وهو مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم، وإليه ذهب من أصحابنا ابن نافع ومحمد بن عبد الحكم. ومنهم من ذهب إلى أن التيمم لا يجب إلا إلى الكوعين قياسا على القطع في السرقة. قيل في ذلك كله بضربة واحدة، أو بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين، فهذه ستة أقوال. وقال الحسن وابن أبي ليلى يضرب ضربتين فيمسح بكل واحدة منهما وجهه ويديه. وحكى ابن لبابة في المنتخب قولا ثامنا في المسألة، وهو أن الجنب يتيمم إلى الكوعين بالسنة لا بالقرآن، وغير الجنب إلى المنكبين على ظاهر ما في القرآن، واحتج لذلك بما يقف عليه من تأمله في موضعه من كتابه.

[فصل]

ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجنب يتيمم بظاهر القرآن؛ لأن الله تبارك وتعالى أمر بالوضوء من الحدث والغسل من الجنابة للصلاة، ثم أمر بالتيمم عند عدم الماء بالنص على ذلك، وعند عدم القدرة على استعماله بالتأويل الظاهر، فوجب أن يحمل ذلك على الوضوء والغسل من الجنابة جميعا، وأن لا يخصص في أحدهما دون الآخر إلا بدليل، ولا دليل على ذلك. بل قد دلت السنن الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تيمم الجنب على خلافه؛ وأن التيمم عنده، أعني عند مالك، من الجنابة والحدث الذي ينقض الوضوء سواء، وأن فرض التيمم فيهما ضربة واحدة للوجه واليدين إلى الكوعين، إلا أنه يستحب ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين

<<  <  ج: ص:  >  >>