المنع من التفاضل في ذلك، هو الطعم بانفراده؛ وأما أبو حنيفة وأصحابه، فقاسوا على البر والشعير والتمر والملح - جميع ما يكال من الطعام والعروض، لأن ذلك كله يجمعه الكيل، وهي العلة عنده في منع التفاضل في ذلك؛ وقاسوا على الذهب والفضة جميع ما يوزن من الطعام والعروض، لأن ذلك كله يجمعه الوزن، وهي العلة عنده في منع التفاضل في ذلك.
[فصل]
والقياس على الذهب والفضة لا يصح، لأنهم قد أجمعوا أنه لا بأس أن يشترى بالذهب والفضة جميع الأشياء التي تكال أو توزن يدا بيد ونسيئة، فيلزم من قياس الحديد والرصاص وما أشبه ذلك مما يوزن على الذهب والفضة، كما قاس ما يكال من الطعام على البر والشعير والتمر والملح، أن لا يجيز شراء الحديد والرصاص بالذهب والفضة نسيئة، كما لا يجيز شراء الحمص والعدس بالقمح والشعير نسيئة، وقد أجمع الناس على إجازة ذلك، وقاس سعيد بن المسيب على القمح والشعير والتمر والملح المذكور في الحديث المكيل والموزون من الطعام خاصة، وشذ داود وأهل الظاهر فلم يروا الربا إلا في أربعة أشياء التي نص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها، واحتجوا لإجازة التفاضل فيما سوى ذلك بعموم قول الله عز وجل:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥].
[فصل]
فالطعام على مذهب مالك وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ينقسم على أربعة أقسام: طعام يدخر ويقتات به أو يصلح القوت. وهو أصل للمعاش غالبا، وطعام يدخر ويقتات به أو يصلح القوت وليس بأصل للمعاش غالبا، وطعام يدخر نادرا، وطعام لا يدخر أصلا، فأما ما يدخر ويقتات، أو يصلح القوت وهو أصل للمعاش غالبا، فإن التفاضل في الصنف الواحد منه لا يجوز باتفاق في المذهب، وأما ما يدخر ويقتات به وليس بأصل للمعاش غالبا مثل الجوز واللوز والجلوز