للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. وإنما قدر هذا التقدير من ذهب إلى هذا التأويل، وهو محمد بن مسلمة من أصحابنا؛ لأن ظاهرها أن السفر والمرض حدث يوجب الوضوء كالمجيء من الغائط سواء، وذلك لا يصح بإجماع. وقيل إنها على تلاوتها لا تقديم فيها ولا تأخير. واستدل من ذهب إلى ذلك بأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتوضأ إلا على نسق الآية، فمسح رأسه قبل غسل رجليه على ما عليه العمل. ولو كانت الآية مقدرة على غير تلاوتها من التقديم والتأخير لوجب أن تغسل الرجلان قبل مسح الرأس لأن التقدير بمنزلة التفسير، ولا يصح أن يكون العمل بخلاف التفسير، فيكون معنى قَوْله تَعَالَى وإن كنتم مرضى إذا حملت الآية على تلاوتها دون أن يقدر فيها تقديم وتأخير أي مرضى لا تقدرون على مس الماء أو على من يناولكم إياه لأن المرض يتعذر معه مس الماء أو الوصول إليه في أغلب الأحوال. واكتفى الله تبارك وتعالى بذكر المرضى وفهم منه المراد كما فهم من قوله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] أن معناه فأفطر. وكذلك قوله عز وجل: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] يريد غير واجدين للماء، فاكتفى بذكر السفر وفهم منه المراد به؛ لأن السفر يعدم فيه الماء في أغلب الأحوال. ولما كان الغالب في الحضر وجود الماء صرح بشرط عدمه فقال أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا. وهذا أولى وأظهر عندي من حمل الآية على التقديم والتأخير لأن التقديم والتأخير مجاز وحمل الكلام على الحقيقة أولى من حمله على المجاز لا سيما ومن أهل العلم من نفى أن يكون في القرآن مجاز.

[فصل]

وعلى أن الآية على تلاوتها لا تقديم فيها ولا تأخير فيها ذهب مالك في

<<  <  ج: ص:  >  >>