بينها بتأويل محتمل. وما رووه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«الخليط أحق من الشريك»، ظاهره يوجب أن الشريك ليس بشفيع، وهذا ما لا يقوله أحد، وهو عندنا محمول على أنه أحق بالعرض عليه، لأنه إن لم يعرض عليه وباع فوت عليه المبيع، والشريك إن لم يعرض عليه وباع لم يفوت عليه البيع لأنه يأخذ من المشتري بالشفعة. فالحديث حجة لنا في أن الخليط وهو الجار الجديد في المال لا شفعة له. وقياسهم ينتقض بالجار المقابل، وقد قال ابن شعبان لو كانت الشفعة واجبة للجار لوجبت لجميع من بالبلد الذي بيعت به الدار لقول الله عز وجل:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ}[الأحزاب: ٦٠] الآية. فجعل كل من بالمدينة له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جارا. وبالله التوفيق.
[فصل]
وأما الوجه الثاني وهو أن الشفعة إنما تكون في الرباع والأصول دون سائر العروض، فالدليل عليه من الحديث قوله فيه:«فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» إذ القسمة بإيقاع الحدود وصرف الطرق إنما تكون في الرباع والأصول دون ما سواها من العروض التي إنما تقسم بالكيل والوزن. وهذا مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، وهو قول جمهور أهل العلم. ومنهم من أوجبها في كل شيء مشاع من الأصول والعروض والحيوان وغير ذلك وهو قول شاذ. قاله بعض أهل مكة، وروي في ذلك حديث منقطع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث سعيد بن المسيب وغيره. وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، يعني بالمدينة. ومن طريق القياس أن الحيوان والعروض مال يصح الانتقال به فلم تجب فيه شفعة. أصله الدنانير والدراهم والمكيل والموزون وبالله تعالى التوفيق.
[فصل]
وأما الوجه الثالث وهو أن الشفعة إنما تكون فيما ينقسم من أموال دون ما لا ينقسم فيستدل عليه من الحديث بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة فيما لم يقسم،» لأن قوله فيما