والسلم في مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه جائز فيما ينقطع من أيدي الناس وفيما لا ينقطع من أيديهم، إذا اشترط الأخذ فيما ينقطع من أيديهم في حين وجوده، فإن اشترط الأخذ في حين عدمه لم يجز، ومن أهل العلم من لا يجيز السلم إلا فيما يكون موجودا بأيدي الناس من حين عقد السلم إلى حين حلوله، ومنهم من لا يجيز السلم إلا فيما يكون موجودا بأيدي الناس ولا ينقطع في وقت من الأوقات.
[فصل]
فمن حجة من لا يجيز السلم إلا فيما يكون موجودا من حين عقد السلم إلى حين حلول أجله، أن المسلم إليه قد يموت فيحل عليه السلم بموته، وربما كان ذلك في حين انقطاعه فيئول ذلك إلى الغرر، ومن حجة من لا يجيز السلم إلا فيما لا ينقطع قبل حلول السلم ولا بعده، أن القضاء قد يتأخر لعذر أو لغير عذر بعد حلول الأجل حتى ينقضي الإبان فيرد إليه رأس ماله، أو يتأخر إلى العام المقبل - وذلك غرر، وهذا كله لا يلزم، لأن العقود إذا صحت وسلمت من الغرر، فلا يراعى ما يطرأ عليها بعد ذلك مما لم يقصد إليه، إذ لو روعي ذلك، لما صح عقد ولا سلم بيع بوجه من الوجوه، بل السلم فيما له إبان على أن يقتضى في إبانه، أجوز من السلم فيما لا ينقطع من أيدي الناس وإن كانا جائزين جميعا؛ لأن السلم فيما لا ينقطع من أيدي الناس يحل بموت المسلم إليه، وحياته إلى أن يحل الأجل غير مأمونة؛ وفي ماله إبان لا يحل بموت المسلم إليه، وتوقف تركته إلى أن يأتي الإبان فيقضي حقه، وحينئذ يقسم ماله بين ورثته، لقول الله عز وجل:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١١]، فهو أقل غررا.