الحشر ناسخة لآية الأنفال، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين بفعله في أرض خيبر أنها على عمومها في جميع الغنائم من الأرض وغيرها، فنسخت آية الحشر من ذلك الأرض خاصة، وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي. وقيل إن آية الحشر مخصصه لآية الأنفال ومفسرة لها ومبينة أن المراد بها ما عدا الأرض من الغنائم، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قسم أرض خيبر لأن الله تعالى وعد بها أهل بيعة الرضوان فقال:{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ}[الفتح: ٢٠] فهي مخصصة بهذا الحكم دون سائر الأرضين المغنومة.
[فصل]
وإذا أبقى الإمام أرض العنوة وأقر أهلها فيها لعمارتها ضربت عليهم الجزية على ما فرض عمر، وسوقوا في السواد، ووضع عليهم الخراج في البياض بقدر اجتهاد الإمام. وهذا وجه قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المدونة: لا علم لي بجزية الأرض وأرى أن يجتهد في ذلك الإمام ومن حضره إن لم يجد علما يشفيه لأنه إنما توقف في مقدارها، وقيل إنما توقف هل عليها جزية أو لا جزية عليها وتترك لهما فيستعينون بها على أداء الجزية دون خراج، وقيل إنه إنما توقف فيما يوضع عليها من الخراج هل يسلك بها مسلك الفيء أو مسلك الصدقة، قال ذلك الداروردي. وحكي عن ابن القاسم أنه قال: والذي ينحو إليه مالك أنه يسلك به مسلك الفيء. واختلف على المذهب فيهم، فقيل إنهم عبيد للمسلمين، وقيل إنهم أحرار لأن إقرارهم لعمارة الأرض من ناحية المن الذي قال الله عز وجل فيه:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}[محمد: ٤] وعلى هذا الاختلاف يجري الاختلاف فيما عدا الأرض من أموالهم، فمن رآهم عبيدا جعل أموالهم