الطاعات كلها لا تكون طاعة وقربة إلا مع مقارنة الإيمان لها، ومتى لم يقارنها لم تكن طاعة ولا قربة، فسميت الطاعات باسم الأصل الذي لا يثبت لها الحكم بأنها طاعة وقربة إلا به. وهذا بين في المعنى وعليه يحمل قول من قال من أهل السنة إن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح. وما روي أن معنى قول الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣]، أي صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت مقارنة للإيمان ولذلك حصل الانتفاع بها والجزاء عليها، فبان بما قلناه وأوردناه أن أنفس الطاعات من الأقوال والأفعال إذا لم يصح أن تسمى طاعات إلا بمقارنة الإيمان لها فلا يصح أن يقال إنها غير الإيمان، إذ لا يصح مفارقتها له، ولا أنها الإيمان كالصفة القديمة لا يصح أن يقال إنها هي الموصوف ولا أنها غيره.
[فصل]
وأما قول من قال من أهل السنة إن الإيمان يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقص الأعمال ففيه تأويلان: أحدهما أن المعنى في ذلك أن ثواب الإيمان يزيد مع الطاعة وينقص مع تركها، بمعنى أنه يتجرد ثواب الإيمان عن ثواب الطاعة إذا تركها إلى مباح أو معصية، فلا يكون ثواب الإيمان في حال الصلاة كثوابه في حال الجلوس ولا كثوابه في حال المعصية. يؤيد هذا التأويل ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»، أي ليس هو في تلك الحال مؤمنا يثاب على إيمانه فيها مثل ما كان يثاب عليه لو كان في عمل مباح أو مندوب إليه أو واجب على هذا يحمل الحديث إذ لا يصح أن يقال إن المؤمن في حال المعصية منسلخ عن الإيمان. وقد قيل في معنى هذا الحديث إن الإيمان إيمانان، فإيمان يؤمن به من الخلود في