وكان للمكفول له مطالبته بها على ما في الحديث، كان المكفول عنه إذا كان مليا أحرى بالمطالبة، إذ لم يسقط الدين عن ذمته بالكفالة؛ فوجب أن يكون مخيرا في مطالبة من شاء منهما على ما قاله الشافعي وأبو حنيفة، خلاف ما روي عن مالك؛ قلت: وهذا لا يلزمه؛ لأن الحديث إنما هو فيمن لم يترك وفاء، ولذلك لم يصل عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فليس هذا موضع الخلاف.
وقول مالك الذي اختاره ابن القاسم أظهر أن الكفالة لا تلزم الكفيل مع ملأ المكفول عنه وحضوره واستوائهما في اللدد؛ لأنه إن قضى للمكفول له على الكفيل، قضى في الحين للكفيل على المكفول عنه، فالقضاء له على المكفول عنه أولى وأقل عناء، وبالله التوفيق.
[فصل]
والحمالة لا تجوز إلا فيما تصح فيه النيابة، وذلك إنما يكون في المال المتعلق بالذمة، أو ما يؤول إلى المال المتعلق بها؛ وأما ما يكون في الأبدان ولا يتعلق بالأموال- كالقتل والسرقة والحدود والتعزير، فلا تجوز فيه الحمالة، إذ لا تصح فيه النيابة.
[فصل]
وهي تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه.
فأما الحمالة بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات، كانت في أصل البيع أو بعد عقد البيع؛ لأنها وإن كانت من المعروف، فكأنها إنما خرجت عن عوض، وهو ما رضي به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه؛ وأيضا فإنه إذا غرم، يرجع بما غرم.
واختلف قول مالك في الحميل بالمال: فمرة قال: إن المتحمل له بالخيار يأخذ أيهما شاء بحقه إن شاء الحميل، وإن شاء المتحمل عنه، وإن كان الغريم مليا؛ ومرة قال: لا سبيل له إلى الحميل إلا في عدم الغريم- وهو اختيار ابن القاسم.