وهذا الاختلاف مبني على خمس مسائل هي أصله وعليها مداره:
إحداها: معرفة وجوب وضع الجائحة.
والثانية: معرفة الحال التي توضع فيها.
والثالثة: معرفة مقدار ما يوضع منها مما لا يوضع.
والرابعة: معرفة ما يوضع فيه مما لا يوضع.
والخامسة: معرفة ما هو جائحة يجب وضعها مما ليس بجائحة يجب فيه الوضع.
[فصل]
فأما وجوب وضع الجائحة في الجملة فالأصل فيه ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح، وما روي أنه قال «من باع ثمرة فأصابتها جائحة فلا يأخذ من مال المشتري شيئا على ما يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق» وما روي أنه «نهى عن بيع الثمار حتى تزهى وقال: أرأيت إذا منع الله الثمرة، ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه».
[فصل]
فأخذ مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه بهذه الآثار وتقلدوا الحكم بوضع الجائحة، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه وأصحابهما. فقالوا إذا قبض المشتري لم يوضع عنه للجائحة شيء أصلا، وعللوا هذه الآثار بعلل يطول جلبها، واحتجوا لمذهبهم بظواهر آثار لا حجة لهم فيها، من ذلك ما روى أبو سعيد الخدري «أن رجلا ابتاع ثمارا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأصيب فيها، فكثر دينه فأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالصدقة عليه، فتصدق عليه فلم يكن فيما