ولم يرد أنه يتمادى على العمل بعد نضوض المال، هذا ما لا يصح أن يتأول عليه. فليس قوله على هذا التأويل بخلاف لما في الواضحة وكتاب ابن المواز. وأما المساقاة التي يرد فيها إلى مساقاة مثله إذا لم يعثر عليها إلا بعد العمل فلا تفسخ إلى انقضاء أجلها وتمام مدتها، كان ذلك عاما أو أعواما، فإنما فارق القول في هذا من المساقاة لأن المساقاة لها أجل والقراض لا أجل له، بيد أنه إذا شرع في العمل لزمهما القراض إلى أن ينض المال. فنضوض المال أجل القراض إذا شرع فيه، فيستوي قراض المثل ومساقاة المثل في ألا يفسخ واحد منهما إذا لم يعثر عليه حتى يقضي أمده. فمن ساوى بينهما فهذا تأويله، ومن فرق بينهما فلافتراقهما في المدة والأجل. فهذا شرح هذه المسألة وبالله التوفيق.
[فصل]
والقراض جائز بالدنانير والدراهم لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك، لأنهما أصول الأثمان والمثمونات، وبهما يقوم ما عداهما من العروض وسائر المتلفات، وكذلك النقار والأتبار، أعني تبر الذهب والفضة في البلد الذي يجري فيه ذلك ولا يتعامل عندهم بالمسكوك.
[فصل]
ولا يجوز القراض بشيء من العروض المعينات ولا بشيء من المكيلات والموزونات عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، ولا عند أحد من فقهاء الأمصار، لأن القراض في الأصل غرر لأنه إجارة مجهولة إذ لا يدري العامل كم يربح في المال ولا إن كان يربح أم لا. إلا أن الشرع جوزه للاضطرار إليه
وحاجة
الناس إلى التعامل عليه، فيجب ألا يجوز منه إلا مقدار ما جوزه الشرع، وأن يكون ما عداه ممنوعا بالأصل. وأيضا فإن القراض بالعروض لا يخلو من أربعة أوجه: إما أن يجعلا رأس مال القراض العرض بعينه، أو ثمنه الذي يبيعه به، أو قيمته يوم العقد، أو قيمته يوم التفاضل. لأن معرفة رأس المال ومقداره لا بد منه في القراض ليعرف العامل على ما يعمل. فإن كان نفس العرض هو رأس المال فذلك غرر لأنه