للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجب بأول الحول حين تعقد لهم الذمة، ثم بعد ذلك عند أول كل حول، وهو مذهب أبي حنيفة. وقيل إنها لا تجب إلا بآخر الحول، وهو مذهب الشافعي، وليس عن مالك وأصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى في ذلك نص. والظاهر من مذهبه وقوله في المدونة أنها تجب بآخر الحول، وهو القياس، لأنها إنما تؤخذ منهم سنة بسنة جزاء على تأمينهم وإقرارهم على دينهم يتصرفون في جوار المسلمين وذمتهم آمنين، يقاتل عنهم عدوهم ولا يلزمهم ما يلزم المسلمين، فهي عليهم بإزاء الزكاة على المسلمين، غير أنها تؤخذ منهم على وجه الذلة والصغار، وتؤخذ الزكاة من المسلمين تطهيرا لهم وتزكية. ألا ترى أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يأخذ من نصارى العرب في جزيتهم الزكاة مضاعفة إكراما لهم فوجب أن تجب بمرور الحول كالزكاة. وتحرير قياس ذلك أن الجزية حق في المال فيتعلق وجوبه بالحول، فوجب أن يؤخذ في آخره كالزكاة.

[فصل]

وكذلك الحكم في الجزية الصلحية إذا وقعت مبهمة من غير تحديد كما ذكرنا. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا الاختلاف إنما هو في الجزية الصلحية، وأن الصحيح فيها من القولين أن تؤخذ معجلة عند أول الحول لأنها عوض عن تأمينهم وحقن دمائهم وترك قتالهم، وقد وجب لهم ذلك بعقد الصلح وتقرر، فوجب أن يتنجز منهم العوض قياسا على سائر عقود المعاوضات. واستدل على ذلك أيضا بقول الله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: ٢٩] وقال إن لفظ الإعطاء إذا أطلق فالظاهر منه قبض العطية دون إيجابها. ولو كان محتملا للوجهين احتمالا واحدا لكان قَوْله تَعَالَى عن يد دليلا على أن المراد به القبض، لأن من قال أعطيت فلانا عن يد يفهم منه تعجيل العطاء ودفعه إلى المعطى، قال وهو الذي يأتي على مذهب مالك لأنه قال في تجار الحربيين أن يؤخذ منهم ما صالحوا عليه باعوا أو لم يبيعوا، فوجب أن يؤخذ منهم ما صالحوا عليه بحصول التأمين لهم وإن لم يحصلوا على ما أملوه من الانتفاع بالبيع والشراء. وإن الجزية

<<  <  ج: ص:  >  >>