يتجادلون يقول هؤلاء نحن أصوب ويقول هؤلاء نحن أصوب، فقال الله عز وجل:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ}[الحج: ٦٧].
[فصل]
وليس توقيت الحج للحج كتوقيت وقت الصلاة للصلاة في أن لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج كما لا يجوز الإحرام بالصلاة قبل دخول وقتها. والفرق بينهما من جهة المعنى أن الحج لا يتصل عمله بإحرامه، بل يتأخر إلى ميقاته، فلا يضره الإحرام به قبل وقته، إذ لا يمكن عمله، إلا في وقته، والصلاة يتصل عملها بالإحرام لها، فلو أحرم بها قبل وقتها لجاز أن يفرغ منها قبل دخول وقتها. وقد كان الأصل أن يجب على الناس الإحرام بالحج من أوطانهم وإذ كان بينهم وبين مكة مسيرة العام أو الأعوام بقول الله عز وجل:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا}[الحج: ٢٧]، فخفف الله عنهم لِقَوْلِهِ تَعَالَى في كتابه:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة: ١٩٧] كما خفف عنهم على لسان رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحرموا قبل ميقاتهم. فإن أحرم أحد بالحج قبل أشهر الحج أو قبل ميقاته كان قد أساء إذ شدد على نفسه ولم يقبل رخصة الله، فهذا وجه توقيت أشهر الحج للحج. ولهذا المعنى وجب على من لم يكن من أهل مكة إذا اعتمر في أشهر الحج ثم حج قبل أن يرجع إلى بلده أو قرن أن يهدي، وذلك أنه اعتمر في الأشهر التي خص الله بها الحج في حقه. ومن أهل العلم من يقول: إنه لا يجوز له أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل حل بعمرة وكان متمتعا ولم يجزئه إحرامه بالحج. وقد قيل: إنه ليس عليه أن يتحلل بعمرة، كمن أحرم بصلاة ثم ذكر أنه قد كان صلاها، إن له أن يقطع ولا يلزمه أن يتم ركعتين، وفي ذلك اختلاف.