ولا ينبغي أن ينفخ في طعام ولا شراب، ولا أن يتنفس في إنائه إذا شرب، وإذا ضاق به النفس فلينح القدح عن فيه، فإذا تنفس أعاده إليه؛ لما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النفخ في الشراب». والمعنى في ذلك أنه يخشى أن يطير مع نفسه شيء من ريقه فتعافه نفس من رآه، فإذا رأى قذاة في الإناء أراقها ولم ينفخها، وقد جاء الحديث بذلك.
[فصل]
ويجوز الشراب قائما؛ لأنه روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه شرب قائما، وعن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يشربون قياما. وقد «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن الشرب قائما» من رواية أنس بن مالك، ومن رواية أبي سعيد الخدري «أنه زجر رجلا رآه يشرب قائما». وقال إبراهيم النخعي: إنما كره الشرب قائما؛ لما يأخذ في البطن، فيحتمل أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الشرب قائما؛ لما ذكر له أن ذلك يضر بمن فعله، فلما تحقق أن ذلك لا يضر به شرب قائما ولم ينه عن ذلك.
فقد كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هم أن ينهى عن الغيلة ثم لم ينه عنها؛ لما ذكر من أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم شيئا. ويحتمل أن يكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يشرب قائما إلى أن وقف على المعنى الذي من أجله كره الشرب قائما فنهى عنه إشفاقا على أمته وطلبا لمصالحهم. وإذا احتمل أن يكون كل واحد من الحديثين ناسخا للآخر وجب أن يسقطا جميعا، فلا يمتنع من الشرب قائما إلا أن يتيقن على ما ذهب إليه مالك وبوب عليه في موطئه باب شرب الرجل وهو قائم.