على اجتناب المحرمات والمشتبهات، وترك التنعم بالمباح من الشهوات. فكل زاهد ورع وليس كل ورع زاهدا، فالورع أعم من الزهد.
[فصل]
فالزهد في الدنيا هو ضد الرغبة فيها، والرغبة هو الاستعظام لها والحرص عليها والميل إليها. فإذا كان الزهد هو ضد الرغبة فهو الاستصغار للدنيا والاحتقار لشأنها الذي يدعو إلى رفض فضولها وأخذ القوام منها عونا على طاعة الله عز وجل فيها، فلا يترك الزاهد منها شيئا إلا لله، ولا يأخذ منها شيئا إلا لله وعونا على طاعة الله. ولا يتركها كلها إذا صغرت عنده وهانت عليه، فيكون عاصيا لله إذ ترك منها واجبا أمر بأخذه، أو مقصرا في حظه إذ ترك منها ما ندب إلى أخذه، لكنه لما صغرت عنده وهانت عليه اتبع فيها أمر الله في كتابة وما ندب إليه على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ منها ما أعان على القربة إليه، وترك منها مما يجوز له أخذه تركه زهدا فيه ليتقرب بذلك إلى ربه. هذا هو الزهد عند جماعة من العلماء والزهاد، كالحارث بن أسد المحاسبي وغيره.
وقال سفيان الثوري وغيره منهم: إنه قصر الأمل. وليس بصحيح، لأن قصر الأمل ليس هو الزهد وإنما هو المعين على الزهد، لأن من قصر أمله وتوقع نزول المنية زهد في الدنيا ولم يرغب فيها.
وقال الأوزاعي وغيره منهم: إنه بغض المحمدة وبغض المحمدة إنما هو بعض الزهد لا جميعه، لأن الزهد يكون في المحمدة وفيما سواها من شهوات الدنيا. قال الله عز وجل:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}[آل عمران: ١٤] الآية إلا