وإذا أشار الإمام على المتخاصمين بالصلح وندبهما إليه وحضهما عليه فأبيا أو أبى أحدهما، فلا يجبرهما عليه، ولا يلح عليهما فيه إلحاحا يشبه الإلزام؛ ولكنه يفصل بينهما بواجب الحق وصريح الحكم، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روي في الصحيح «أن الزبير بن العوام خاصم رجلا من الأنصار في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: اسق واحبس حتى يبلغ الجذر». فاستوفى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير حقه - وكان قبل ذلك قد أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استوفى للزبير حقه في صريح الحكم. قال عروة قال الزبير والله ما أحسب هذه الآية نزلت:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥] إلا في ذلك.
[فصل]
وإنما ينبغي للإمام أن يندب المتخاصمين - إلى الصلح ويديرهما - عليه ما لم يتبين له أن الحق لأحدهما، فإذا تبين له ذلك، لم يتأن في الحكم له - رجاء أن يصالحا، فقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رسالته إلى أبي موسى الأشعري، فاحرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء.
[فصل]
ولا يجوز الصلح بالحرام قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصلح جائز بين المسلمين،