وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ}[البقرة: ١٥٩]، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بلغوا عني ولو آية»، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب». وروي عن أبي ذر أنه قال لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
[فصل]
ولا يحصل العلم إلا بالعناية والملازمة والبحث والنصب والصبر على الطلب، كما حكى الله تعالى عن موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال للخضر:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}[الكهف: ٦٩] وأنه قال لفتاه: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}[الكهف: ٦٢] وقال سعيد بن المسيب إني كنت لأرحل في طلب العلم والحديث الواحد مسيرة الأيام والليالي وبذلك ساد أهل عصره، وكان يسمى سيد التابعين. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أقمت خمس عشرة سنة أغدو من منزلي إلى منزل ابن هرمز وأقيم عنده إلى صلاة الظهر مع ملازمته لغيره وكثرة عنايته، وبذلك فاق أهل عصره وسمي إمام دار الهجرة. وأقام ابن القاسم متغربا عن بلده في رحلته إلى مالك عشرين سنة حتى مات مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ورحل سحنون أيضا إلى ابن القاسم فكان مما قرأ عليه مسائل المدونة والمختلطة ودونها فحصلت أصل علم المالكيين، وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطأ مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ويروى أنه ما بعد كتاب الله كتاب أصح من موطأ مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة. والمدونة هي عند أهل الفقه ككتاب سيبويه عند أهل