للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الانفراد وترك مجالسة الناس، فكتب إليه مالك يقول: إن الله قد قسم بين عباده الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصيام، ورب رجل فتح له في الصيام ولم يفتح له في الصلاة، ورب رجل فتح له في كذا ولم يفتح له في كذا فعدد أشياء ثم قال وما أظن ما أنت فيه بأفضل مما أنا فيه، وكلانا على خير إن شاء الله والسلام.

فصل

في تحرير القول في الإيمان والإسلام

ولا يصح شيء من العبادات إلا بعد الإقرار بالمعبود والتصديق به. فأول الواجبات الإيمان بالله تعالى وبوحدانيته وبما هو عليه من صفات ذاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله وكل ما جاءوا به من عنده. والإيمان هو التصديق الحاصل في القلب قال الله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: ١٧] أي بمصدق لنا {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: ١٧]. وأما الإسلام فهو إظهار الإيمان والإعلان به، مأخوذ من الاستسلام وهو الانقياد؛ لأن من أظهر الإيمان فقد انقاد واستسلم لجريان حكمه عليه. فكل مؤمن مسلم؛ لأن من اعتقد الإيمان في الباطن فهو معلن به في الظاهر. وليس كل مسلم مؤمنا؛ لأن المنافق والزنديق يظهران الإسلام ويعتقدان الكفر، فهما مسلمان في الظاهر كافران في الباطن. فالإسلام أعم من الإيمان. وهذا في بلد الإسلام وحيث يجب على المؤمن إظهار إيمانه ولا يحل له كتمه. وأما في بلد الحرب إذا أكره على الكفر فواجب عليه إذا خاف على نفسه فأظهر الكفر أن يعتقد الإيمان بقلبه، فيكون إذا فعل ذلك مؤمنا غير مسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى قد سماه مؤمنا في كتابه فقال: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: ٢٨]، وقال: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وليس بمسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>