معذرتهم التي اعتذروا بها؛ حيث يقول مخبرا عنهم:{كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء: ٩٧]، أي: فتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم، {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ٩٧]، ثم أنزل الله تعالى عذر أهل الصدق، فقال:{إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا}[النساء: ٩٨]، أي: لا يهتدون سبيلا يتوجهون إليه لو خرجوا لهلكوا، {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}[النساء: ٩٩]- يعني: في إقامتهم بين ظهراني المشركين.
[فصل]
فكانت الهجرة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل فتح مكة على من أسلم من أهلها واجبة مؤبدة، افترض الله عليهم فيها البقاء مع رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث استقر، والتحول معه حيث تحول، لنصرته ومؤازرته وصحبته، وليحفظوا عنه ما يشرعه لأمته، ويبلغوا ذلك عنه إليهم ولم يرخص لأحد منهم في الرجوع إلى وطنه، وترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ألا ترى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في حجة الوداع:«لا يقيمن مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث».
خص الله بهذا من آمن من أهل مكة بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهاجر إليه؛ ليتم له بالهجرة إليه والمقام معه وترك العودة إلى الوطن - الغاية من الفضل الذي سبق لهم في سابق علمه، وهم الذين سماهم الله بالمهاجرين، ومدحهم بذلك فلا ينطلق هذا الاسم على أحد سواهم.
[فصل]
فلما فتح الله مكة، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مضت الهجرة لأهلها»، أي فازوا بها وحصلوا عليها وانفردوا بفضلها دون من بعدهم، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا» أي: لا يبتدئ أحد من أهل مكة