فإن قيل: يحتمل أن يكون تحرج من طلاقها في هذه الحال من لا يعلم وجوب المتعة لها.
قيل له: لو كان الأمر على ذلك لكانت التلاوة: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ولهن المتاع، كما قال في الآية التي بعدها:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}[البقرة: ٢٣٧]، ومن أهل العلم من أوجب المتاع لها وقال الآية عامة في أولها وآخرها؛ لأن كل مؤمن محسن، فكأنه قال متاعا بالمعروف حقا على المحسنين المطلقين؛ لأن الإيمان إحسان. قال الله عز وجل:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت: ٣٣] وهذا بعيد؛ لأن الإحسان التفضل وفعل المعروف، فلا ينطلق اسم الإحسان على كل مؤمن؛ لأن منهم المسيء في أفعاله وإن كان محسنا في إيمانه.
[فصل]
وأما المطلقة قبل الدخول وبعد التسمية فإن الله تبارك وتعالى ذكرها عقب المطلقة قبل الدخول وقبل التسمية فأوجب لها نصف الفريضة ولم يأمر لها بالمتاع، فدل على أنه لم يجعل لها متاعا واجبا ولا مندوبا إليه، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه. ومن أهل العلم من أوجب لها المتاع بعموم قول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا}[الأحزاب: ٤٩]؛ إذ لم يفرق بين أن يكون سمى لها صداقا أو لم يسم، ولعموم قوله عز وجل:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢٤١]، وقال هي من المطلقات فلها المتاع مع نصف الصداق كما للمدخول بها المتاع مع جميع الصداق. ولو لم يكن لها المتاع من أجل أن لها نصف الصداق لوجب أن لا يكون للمدخول بها متاع من أجل أن لها