للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيكمل استدارته وضوؤه لمقابلة الشمس له، ثم يأخذ في القرب منها فلا يزال ضوؤه ينقص إلى أن يدرك الشمس فيصبح بإزائها على ما أحكمه خالق الليل والنهار، لا إله إلا هو. فإذا قدَّر الله عز وجل على ما أحكمه من أمره وقدره من منازله في سيره أن يكون بإزاء الشمس بالنهار فيما بين الأبصار وبين الشمس يستر جرمه عنا ضوء الشمس كله إن كان مقابلها، أو بعضها إن كان منحرفا عنها، فكان ذلك هو الكسوف للشمس آية من آيات الله عز وجل يخوف بها عباده كما قال عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: ٥٩]؛ ولذلك أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدعاء عند ذلك وسن له صلاة الكسوف. فليس معرفة وقت كون الكسوف بما ذكرناه من جهة النجوم وطريق الحساب ادعاء علم غيب ولا ضلالة وكفر على وجه من الوجوه، ولكنه يكره الاشتغال به؛ لأنه مما لا يعني، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وفي الإخبار به قبل أن يكون ضرر في الدين، لأن من سمعه من الجهال يظن أن ذلك من علم الغيب وأن المنجمين يدركون علم الغيب من ناحية النظر في النجوم، فيجب أن يزجر عن ذلك قائله ويؤدب عليه، كما قال مالك في رواية ابن القاسم عنه من كتاب السلطان من العتبية؛ لأن ذلك من حبائل الشيطان.

[فصل]

وأما شيء من المغيبات فلا يدركها أحد من ناحية النظر في النجوم. وقد اختلف في المنجم يقضي بتنجيمه فيقول: إنه يعلم متى يقدم فلان أو وقت نزول المطر أو ما في الأرحام، أو ما يستتر الناس به من الأخبار وما تحدث من الفتن والأهوال وما أشبه ذلك من المغيبات، فقيل: إن ذلك كفر يجب به القتل دون الاستتابة، لقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: ٥٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>