أصل ما بني عليه هذا الكتاب الحكم بالذرائع، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - القضاء بها والمنع منها، وهي الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور، ومن ذلك البيوع التي ظاهرها الصحة ويتوصل بها إلى استباحة الربا، وذلك مثل أن يبيع الرجل سلعة من رجل بمائة دينار إلى أجل ثم يبتاعها بخمسين نقدا، فيكونان قد توصلا بما أظهراه من البيع الصحيح إلى سلف خمسين دينارا في مائة إلى أجل، وذلك حرام لا يحل ولا يجوز؛ وأباح الذرائع الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما، والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ومن قال بقوله؛ لأن ما جر إلى الحرام وتطرق به إليه حرام مثله؛ قال الله عز وجل:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨]، فنهى تبارك وتعالى عن سب آلهة الكفار؛ لئلا يكون ذلك ذريعة وتطرقا إلى سب الله تعالى، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة: ١٠٤]، فنهى عز وجل عباده المؤمنين أن يقولوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: راعنا، وهي كلمة صحيحة معروفة في لغة العرب،