{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: ٣٢]، يقول تبارك وتعالى: ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه، ويعود هذا على هذا بما في يديه من فضل الله رحمة منه لعباده ونعمة عددها عليهم بأن جعل افتقار بعضهم إلى بعض سببا لمعاشهم في الدنيا وحياتهم فيها، حكمة منه لا إله إلا هو.
[فصل]
والاستئجار الذي أذن الله فيه لعباده وجعله قواما لأحوالهم وسببا لمعاشهم وحياتهم ليس على الإطلاق، بل هو مقيد على ما أحكمته السنة والشريعة، فمنه الجائز ومنه المحظور، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من «عمل عملا ليس على أمرنا فهو رد».
[فصل]
فالجائز منه يكون على وجهين، (أحدهما) بعوض، (والثاني) بغير عوض؛ فأما ما كان منه على غير عوض، فهو هبة من الهبات لا يحل إلا عن طيب نفس من واهبه، وأما ما كان على عوض، فإنه ينقسم على وجوه شتى، منها الجعل والإجارة وهما قائمان من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال الله تبارك وتعالى في الإجارة:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: ٦]، وقال تعالى:{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف: ٧٧]، أي: ثوابا تأكله. وقال تبارك وتعالى حاكيا عن إحدى ابنتي شعيب في قصة موسى وشعيب - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص: ٢٦]