فهذا هو الإيلاء في اللغة. وهو في الشرع على ما هو عليه في اللغة إلا أنه قد تعرف في الشرع في الحلف على اعتزال الزوجات وترك جماعهن حيث ذكره الله في كتابه ونص على الحكم فيه. وأصل ذلك أن الرجل كان في الجاهلية إذا كره المرأة وأراد تقييدها أن لا تنكح زوجا غيره حلف عليها أن لا يقربها فيتركها لا أيما ولا ذات بعل إضرارا بها، وفعل ذلك في أول الإسلام، فحد الله للمولي من امرأته حدا لا يتجاوزه، وخيره بين أن يفيء فيرجع إلى وطء امرأته أو يعزم على طلاقها فقال تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ٢٢٦]{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٢٧].
[فصل]
معنى الكلام للذين يحلفون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر. والتربص التوقف والتنظر. وترك ذكر أن يعتزلوا في التلاوة اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه. ومثل هذا في القرآن كثير، من ذلك قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤] معناه فأفطر فعدة من أيام أخر. وقوله:" فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فانفلق " معناه فضرب فانفلق. ومن ذلك قَوْله تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا}[الرعد: ٣١]؛ لأن المعنى في ذلك لكان هذا القرآن أو لما آمنوا به، فحذف الجواب لدلالة الكلام عليه. وذلك أن «الكفار قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: باعد لنا بين جبال مكة حتى نجعل بينها بساتين أو قرب لنا الشام فإن متجرنا إليها، أو أحي لنا فلانا وفلانا حتى نسألهم إن كان ما تقول حقا، فأنزل الله عز وجل:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}[الرعد: ٣١]» فحذف الجواب لدلالة