دون النفس كما هو بين الأحرار لاستوائهما في المرتبة كانوا لرب واحد أو لأرباب شتى، إلا أن الخيار في العفو والقصاص لسيد العبد المجروح أو المقتول دونه، وهو مذهب الشافعي وأصحابه. والدليل على صحته قول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}[البقرة: ١٧٨] الآية. والثاني: أنه لا قصاص بينهم في النفس ولا فيما دون النفس كالصغير والمجنون. روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود وقال به جماعة من التابعين وبعض فقهاء العراقيين، وهو بعيد جدا، لأن القلم مرتفع عن الصغير والمجنون بخلاف العبيد.
والثالث: أن القصاص بينهم في النفس ولا قصاص بينهم في الجراح، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، واحتج لهم الطحاوي بحديث قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين «أن عبدا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقتص لهم منه». وبما روي عنه أيضا «أن عبدا لقوم أغنياء قطع أذن عبد لقوم فقراء فلم يجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما قصاصا». قال: ولو كان واجبا لاقتص لهم لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[النساء: ١٣٥] إلى قوله {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}[النساء: ١٣٥] قال واستعملنا في النفس بالنفس قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون تتكافأ دماؤهم».
[فصل]
فأما الحديث فلا حجة لهم فيه لأنه يحتمل أنه لم يقتص للفقراء لأنه أمرهم بالعفو على أخذ الأرش لموضع فقرهم ففعلوا ذلك، وأنه لم يقتص للأغنياء لأنه رغبهم في العفو لئلا تنقص قيمة عبد الفقراء بالقصاص منه. ولذلك والله أعلم نقل في الحديث ذكر فقرهم. وإذا وجب القصاص بينهم في النفس فهو فيما دون النفس أوجب، والله أعلم.