خصال القضاء تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع فيه منها خصلتان، رأيت أن يولى العلم والورع. قال ابن حبيب: فإن لم يكن علم فعقل وورع، فبالعقل يسأل وبالورع يقف، وإذا طلب العلم وجده وإن طلب العقل لم يجده. يريد بالعقل العقل الحصيف.
وأما العقل الذي يوجب التكليف، فإنما هو مشترط في صحة الولاية على ما قدمناه. قال ابن حبيب: ويكون عالما بالسنة والآثار ووجه الفقه الذي يؤخذ منه الكلام. حكي ذلك عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، قالوا: ولا يصلح أن يكون صاحب رأي لا علم له بالسنة ولا بالآثار، ولا صاحب حديث ولا علم بالفقه والرأي؛ لأنه يخاف من الجهل مثل ما يخاف من الجور.
قال أصبغ: ويعزل الجاهل إلا ألا يوجد غيره، فيقر ويؤمر أن يستكثر من المشورة، ويتفقد أمره في كل حين. قال: وإذا لم يجد الإمام إلا رجلين، أحدهما عدل مأمون لا علم له بالقضاء والسنة، والآخر عالم وليس مثل الآخر في العدالة، فإن كان العالم لا بأس بحاله وعفافه، وإن كان دون الآخر، فليول هذا، وإن كان غير مرضي ولا موثوق به في عفافه وصلاحه، ولعله يقارب ما لا ينبغي، فلا يولى هذا ولا هذا إلا ألا يوجد غيرهما فإن لم يجد غيرهما ولي العدل القصير العلم، وليجتهد وليستشر، وإن وجد من يجمع العلم والعدل، فلا يولى غيره وإن لم يكن من أهل البلد؛ وقال سحنون: وإن كان الرجل العالم فقيرا وهو أعلم من بالبلد وأرضاهم، استحق القضاء، ولكن لا ينبغي أن يجلس حتى يغنى ويقضي عنه دينه، قال: ولا بأس أن يستقضى ولد الزنا ولا يحكم في الزنا، كما أن القاضي لا يحكم لابنه.
[فصل]
فالقضاة ثلاثة كما روي عن النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، وأما الذي في النار فرجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى بين الناس