واختلف أيضا في القاتل إذا أقيد منه هل يكون القصاص كفارة له أم لا على قولين: فمن أهل العلم من ذهب إلى أن القصاص كفارة له. واحتج بما روي في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية عبادة بن الصامت أنه قال:«الحدود كفارات لأهلها». ومنهم من ذهب إلى أن القصاص لا تكون له كفارة، لأن المقتول المظلوم لا منفعة له في القصاص وإنما هو منفعة للأحياء ليتناهى الناس عن القتل، وهو معنى قول الله عز وجل:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}[البقرة: ١٧٩] فيكون القصاص في القتل على هذا القول مخصصا من حديث عبادة بن الصامت بهذا الدليل ويبقى الحديث مستعملا فيما هو حق لله لا يتعلق فيه حق لمخلوق والله أعلم وأحكم. ومن الدليل أيضا على أن القصاص من القاتل لا يكون كفارة له قول الله تبارك وتعالى في المحاربين:{ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة: ٣٣] فظاهره أن الحدود لا تكون كفارة لهم، وذلك والله أعلم لما تعلق بهم من حقوق المخلوقين.
[فصل]
وهذه المعاني كلها من أحكام الآخرة مردودة إلى الباري سبحانه وله أن يفعل ما يشاء عدل منه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء: ٢٣].
[فصل]
وأما أحكام القاتل عمدا في الدنيا فأن يقتص منه على الشرائط التي أحكمتها