فعفا الله لهم عما كانوا اقتضوه، وحرم عليهم اقتضاء ما بقي منه، وقيل: نزلت في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة، كانا يسلفان في الربا، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله الآية بتحريم اقتضاء ما كان بقي لهما من الربا لم يقتضياه. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع:«ألا إن كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب».
[فصل]
وفي هذا ما يدل على إجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب على ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف، لأن مكة كانت دار حرب وكان بها العباس بن عبد المطلب مسلما، إما من قبل بدر - على ما ذكره ابن إسحاق من أنه اعتذر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أسر يوم بدر، وأمره أن يفتدي، فقال له: إني كنت مسلما ولم أخرج لقتالك إلا كرها، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك» أو من قبل فتح خيبر - إن لم يصح ما ذكره ابن إسحاق، على ما دل عليه حديت الحجاج بن علاط من إقراره للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرسالة وتصديقه ما وعده الله به، وقد كان الربا يوم فتح خيبر محرما على ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بقلادة وهو بخيبر من غنائمها فيها ذهب وخرز، فأمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وبيع وحده وقال: الذهب بالذهب وزنا بوزن». فلما لم يرد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان من رباه بعد إسلامه: إما من قبل بدر، وإما من قبل فتح خيبر، إلى أن ذهبت الجاهلية بفتح مكة، وإنما وضع منه ما كان قائما لم يقبض، دل ذلك على إجازته، إذ حكم له بحكم ما كان من الربا قبل تحريمه، وبحكم الربا بين أهل الذمة والحربيين إذا