للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرحم بي فتوضأت ثم صليت. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أحسنت ما أحب أنك تركت شيئا صنعته ولو كنت في القوم لصنعت كما صنعت.» وممن كان يذهب إلى هذا أحمد بن صالح وقال إن الوضوء فوق التيمم، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل التيمم بدل الغسل من الجنابة ولم يجعل الوضوء بدلا منه، فليس بأرفع منه في ذلك، وإنما هو أرفع منه في الحدث الأصغر حيث جعل بدلا منه. وأما الحديث فيحتمل أن يكون ما كان من عمرو بن العاص قبل نزول آية التيمم، والحكم حينئذ في الجنب إذا عدم الماء أن يصلي بلا غسل، فلما سقط عنه فرض الاغتسال بالخوف على نفسه صار في حكم من لا جنابة عليه، فتوضأ وصلى كما يفعل من استيقظ من نومه ولا جنابة عليه، وكما يصلي عريانا من لم يجد سترة. وقد صلى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل فرض التيمم وهم محدثون على غير وضوء، فلم ينكر ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم على ما روي. فصح ما تأولناه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

[فصل]

والتيمم لا يرفع الحدث الأكبر ولا الأصغر عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وجميع أصحابه وجمهور أهل العلم، خلافا لسعيد بن المسيب وابن شهاب في قولهما إنه يرفع الحدث الأصغر دون الأكبر، وخلافا لقول أبي سلمة بن عبد الرحمن في أنه يرفع الحدثين جميعا حدث الجنابة والحدث الذي ينقض الوضوء. ومعنى هذا أنه إذا تيمم للوضوء أو من الجنابة كان على طهارة أبدا ولم يجب عليه الغسل ولا الوضوء وإن وجد ماء ما لم يحدث أو يجنب. وقد وقع في المدونة عن ابن مسعود ما ظاهره أنه كان يقول مثله. ولا يصح أن يحمل الكلام على ظاهره، فإن المحفوظ عن ابن مسعود ما حكيناه عنه قبل من أن الجنب لا يتيمم بحال ثم رجع إلى [أنه يتيمم، فإذا وجد الماء اغتسل. فما وقع في المدونة

<<  <  ج: ص:  >  >>