فليس من الحزم ولا صواب الرأي ترك كتاب الوصية في الصحة ولا في المرض، وإن كان الأمر في المرض آكد عليه منه في الصحيحة، لأن المرض سبب من أسباب الموت، وإلى هذا ذهب أبو عمران الفاسي.
[فصل]
ومعنى قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ووصيته عنده مكتوبة» " يريد مكتوبة قد أشهد عليها، وأما إن كتبها ولم يشهد عليها ووجدت عنده بعد موته فلا ينفذ ما فيها وإن كانت بخط يده لاحتمال أن يكون إنما كتبها ليؤامر نفسه ولم يعزم بعد على تنفيذها، والروايات بذلك منصوصة عن مالك وغيره.
[فصل]
وإن كتب وصيته وأشهد عليها فلا يخلو من أن تكون مطلقة غير مقيدة أو مقيدة بمرض بعينه أو سفر بعينه أو بلد يعين، أو وقت يعين، أو ما أشبه ذلك. فإن كانت مطلقة لم يقيدها بشيء وإنما قال إن مت أو إذا مت أو متى ما مت أو ما أشبه ذلك من الألفاظ المطلقة العامة فإنه ينفد ما فيها باتفاق، سواء أقرها على يده أو وضعها عند غيره. وكذلك إن أشهد على وصيته ولم يكتب بذلك كتابا، فإن كان وضعها عند غيره ثم أخذها منه فوجدت عنده بطلت باتفاق، سواء أخذها منه في صحته أو في مرضه. وأما إن كانت مقيدة بسفر بعينه، أو بمرض بعينه أو ما أشبه ذلك، فمات من غير ذلك المرض أو في غير ذلك السفر فلا يخلو من أن يكون كتب بذلك كتابا أو لم يكتبه فأما إن لم يكتب بذلك كتابا وإنما أشهد به خاصة فلم يختلف قول مالك أن الوصية لا تنفذ. وأما إن كتب بذلك كتابا فلا يخلو أيضا من أن يكون أقره عنده أو وضعه عند غيره.
فأما إن كان أقره عنده ولم يجعله على يدي غيره فاختلف قول مالك في ذلك، فمرة أجازها ومرة أبطلها، والقولان قائمان في المدونة. وأما إن كان وضعها