{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠]، خلافا لأحمد بن حنبل في قوله: إن المفلس يؤاجر فيما عليه من الدين وهو مذهب ابن شهاب حكاه عنه الطحاوي، وقال: ما علمت أحدا قاله غيره، وخلافا لشريح في قوله: إنه يحبس في الدين؛ لأن الآية عنده إنما وردت في الربا. ولو كان ذلك، لكانت القراءة: وإن كان ذا عسرة فنظرة إلى ميسرة. وإنما القراءة وإن كان ذو عسرة، معناه إن وقع ذو عسرة، أو حضر ذو عسرة، فهو عام في الربا وغيره من الديون، وقد تقدم الكلام على هذا.
وروي أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رفع إليه أن رجلا من جهينة كان يشتري في الرواحل فيغلي بها، ثم يسرع السير فيسبق الحاج فأفلس، فقام عمر فقال: أما بعد فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج، وأنه أدان مقرضا فأصبح قد دين به، فمن كان له عليه دين، فليأتنا حتى نقسم ماله بين غرمائه بالغداة، وإياكم والدين، فإن أوله هم وآخره حرب.
وروي أن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي برجل غرق في دين، فقضى أن يقسم ماله بين غرمائه ويتركه حتى يرزقه الله.
[فصل]
وقد كان الحكم من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أول الإسلام بيع المديان فيما عليه من الدين إذا لم يكن له به وفاء على ما كان عليه من الاقتداء بشرائع من قبله من الأنبياء- فيما لم ينزل عليه فيه شيء؛ إذ كان من شرائعهم إجازة استرقاق الأحرار، قال الله عز وجل في قصة يوسف - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ}[يوسف: ٧٤]{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}[يوسف: ٧٥]- أي استعباده قيل: سنة، وقيل: أبدا- قضاء منهم على أنفسهم بقضاء أبيهم يعقوب - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولذلك حكمهم؛ ليصل بذلك إلى أخذ أخيه، إذ لم يكن في حكم الملك إلا أن تؤخذ السرقة من السارق أو يغرم ثمنها أو مثلي ثمنها، ومن ذلك ما روي أن الخضر سأله مسكين أن يتصدق