والقول الثالث: قول أصحاب أبي حنيفة: إن الصلاة لا تجب إلا بآخر الوقت، وهو الحين الذي لم يأثم المكلف بتأخير الصلاة عنه. وهذا فيه نظر أيضا؛ لأن الصلاة إذا لم تجب عنده في أول الوقت فينبغي أن لا تجزئه إن صلاها فيه كما لا تجزئ من صلى قبل دخول الوقت، وهذا ما لا يقوله أحد. ولهذا قال الكرخي: إن الصلاة المفعولة في أول الوقت تطوع وهي تسد مسد الفرض.
والرابع: أن وقت الوجوب منه غير معين، وللمكلف تعيينه بفعل الصلاة فيه.
وهذا أظهر الأقاويل وأسدها وأجراها على أصول المالكيين؛ لأن معظمهم قالوا: إن الأفعال المخير فيها كالإطعام والعتق والكسوة في الكفارة الواجب منها واحد غير معين، وللمكلف تعيين وجوبه بفعله، ولم يخالف في ذلك إلا ابن خويز منداد فإنه قال: إن جميعها واجب فإذا فعل المكلف أحدها سقط وجوب سائرها. وما قدمناه هو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لأن الأفعال الواجب جميعها لا يسقط بعضها بفعل بعضها.
[فصل]
وأما ارتفاع دم الحيض والنفاس فالدليل على صحة اشتراط ذلك في وجوب الصلاة أن الصلاة لا تصح إلا بطهر؛ لقول الله عز وجل:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦]، وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور»، والطهور لا يصح للحائض والنفساء إلا بعد ارتفاع الدم لقول الله عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[البقرة: ٢٢٢] إلى قوله {حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٢٢] الآية، فوجب أن لا تجب عليها الصلاة إلا بعد