دل أن الرهن يقوم مقام الكتاب في بعض أحواله، إذ لا يجوز أن يعوض شيء من شيء وهو لا ينوب منابه في حال، ألا ترى أن التيمم لما جعله الله بدلا من الوضوء فقال تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء: ٤٣]، ناب منابه في استباحة الصلاة به، فنوبه مناب التوثق بالإشهاد، هو ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الرهن شاهد لمرتهنه إلى مبلغ قيمته؛ لأنه إنما صار رهنا من أجل قيمته، فكان الرهن شاهدا بقيمته، كما أن الشهود قيام بما أشهدوا به، خلافا لأهل العراق - في قولهم إن القول قول الراهن؛ لأنه مقر مدعى عليه؛ وهذا غلط منهم، بل الراهن مدع؛ لأنه يدعي أنه مستحق لقبض الرهن بما يذكره، فمن أجل هذه النكتة دخل في حيز المدعين فلم يجز أن يعطى بدعواه.
وكذلك أصول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يقول في الزوجين إذا اختلفا في الصداق قبل الدخول أنه لا جائز أن يحكم للزوج بدعواه؛ لأنه يقول إنه مستحق لقبض المرأة وبضعها بما يذكره فهو مدع. وكذلك المتبايعان إذا اختلفا في الثمن قبل القبض، أن المشتري يقول إنه مستحق لقبض السلعة بما يذكره من الثمن فهو في هذه الحال مدع؛ فكذلك الراهن مدع لقبض الرهن بما يذكره، والمرتهن يقول غير ذلك؛ فأعدل الأمور ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يرد الأمر إلى مبلغ قيمة الوثيقة. وهي الرهن، ويستحلف مع ذلك لإمكان أن يرهن بأقل من قيمته وأكثر.
[فصل]
وما يدعي المرتهن من الفضل على قيمة الرهن لا وثيقة له به، فهو فيه مدع؛ فإذا ضاع الرهن، أو دخل الزوج بالمرأة، أو قبض المشتري السلعة؛ كان القول في هذه الحال قول الراهن، وقول الزوج، وقول المشتري- مع أيمانهم؛ لأنهم في هذه الحال مقرون مدعى عليهم، لا يدعون أنهم مستحقون لشيء بإقرارهم هذا.