وأما النقصان من غير المبيع مثل أن يشتري النخل بثمرتها قبل الطياب، قبل الإبار أو بعده، أو العبد بماله فيذهب مال العبد بتلف، أو ثمر النخل بجائحة أتت عليه، ثم يجد به عيبا، فإن هذا ليس فيه اختلاف أن ذلك ليس بفوت، وهو بالخيار بين أن يرد ولا شيء عليه أو يمسك ولا شيء له؛ وأما النقصان بما أحدثه المبتاع في المبيع مما جرت العادة أن يحدث فيه مثل أن يشتري الثوب فيصبغه أو يقطعه فينقص لذلك من ثمنه، فإن هذا فوت باتفاق، والمشتري مخير بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يرد ويرد ما نقصه ذلك عنده، إلا أن يكون مدلسا فلا يكون عليه بالنقصان شيء يرده من أجله، واختلف إن أراد أن يمسك، هل له أن يرجع بقيمة العيب أم لا؟ على قولين، أحدهما قول ابن القاسم: إن ذلك له، (والثاني) قول ابن المواز وأصبغ: إن ذلك ليس له فيما كان نقصه بغير صناعة كالقطع؛ وإنما يكون له ذلك فيما كان نقصه بصناعة كالصبغ وشبهه، ولكلا القولين وجه من النظر، وهو محمول على غير التدليس حتى يثبت ذلك عليه أو يقر به على نفسه؛ فإن أنكر أن يكون علم أو ادعى أنه نسي، أحلف على ذلك، فإن حلف، خير المبتاع عند ابن القاسم؛ وحكى ابن المواز عن مالك أنه لا يحلف إلا بعد أن يخير المبتاع فيختار الرد، إذ لا معنى ليمينه إذا اختار الإمساك والرجوع بقيمة العيب.
[فصل]
وهذه إحدى خمس المسائل التي يفترق فيها حكم المدلس من الذي لم يدلس، (والثانية) أن يصيب المبيع عند المشتري عيب أو عطب من العيب الذي باعه به، مثل أن يبيعه آبقا فيأبق عند المشتري، أو سارقا فيسرق عند المشتري فتقطع يده وما أشبه ذلك؛ فإنه إن كان البائع مدلسا بذلك البيع، كان ضمان ما أصابه عند المشتري منه، وإن لم يكن مدلسا، فلا ضمان في ذلك من المشتري، (والثالثة)