للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الله أتمه له إلى مدته فقال عز وجل: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤].

[فصل]

فلما بعث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن أربعين سنة أو ابن ثلاث وأربعين سنة على ما ذكر من ذلك، أسر أمره ثلاث سنين أو نحوها لم يعلن فيها بالدعاء إلى الإسلام، ثم أمره الله عز وجل بإظهار دينه والإعلان بالدعاء إلى الإسلام فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] فمعنى قوله: وإن لم تفعل أي إن لم تعلن بالدعاء إلى الإسلام فقد بلغت حق التبليغ، ولا تحذر في ذلك أمر الناس فإن الله يعصمك منهم. وقال عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: ٩٤] {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: ٩٥] الآية. فلما أعلن بالدعاء إلى الإسلام كما أمره الله عز وجل وسفه أحلام قريش في عبادتهم الأصنام التي لا تبصر ولا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، نابذوه وأرادوا قتله، وأقبلوا بالعذاب على من آمن منهم والإذاية لهم. فلم يزل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جوار عمه أبي طالب إلى أن توفي في شوال من السنة الثامنة من مبعثه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو التاسعة منه، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تفرقوا في الأرض فإن الله سيجمعكم فقالوا إلى أين؟ قال إلى هنا" وأشار إلى أرض الحبشة،» فهاجر إليها ناس ذوو عدد، منهم من هاجر بنفسه، ومنهم من هاجر بأهله حتى قدموا أرض الحبشة، وأقام بمكة من كان له من عشيرته الكفار منعة.

فلما رأت قريش أن الإسلام يفشو وينتشر اجتمعوا فتعاقدوا على بني هاشم، وأدخلوا معهم بني المطلب من بني عبد مناف، ألا يكلموهم ولا يجالسوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقتلوه، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة. فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب من بني عبد مناف

<<  <  ج: ص:  >  >>