كلهم كافرهم ومؤمنهم، المؤمن دينا والكافر حمية، فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مبعدين مجتنبين حاشى أبي لهب وولده صاروا مع قريش على قومهم، فبقوا كذلك ثلاث سنين إلى أن جمع الله قلوب قوم من قريش على نقض ما كانت قريش تعاقدت فيه على بني هاشم من بني المطلب من بني عبد المناف. وأعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمه أبا طالب أن الله عز وجل قد بعث الأرضة على صحيفتهم فلحست كل ما كان فيها من عهد لهم وميثاق واسم الله، ولم تترك فيها إلا ما كان من شرك أو ظلم أو قطيعة. وقيل إنه إنما أعلم عمه أبا طالب بأن الأرضة لحست ما كان في الصحيفة من شركهم وظلمهم ولم تترك فيها إلا اسم الله تعالى. فقال أبو طالب لما أخبره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما أطلعه الله عليه من ذلك: لا والثواقيب ما كذبتني، فانطلق في عصابة من بني عبد المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون من قريش، فلما رأتهم قريش في جماعتهم أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برمته إلى قريش. فتكلم أبو طالب فقال قد حدثت أمور بيننا وبينكم فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم، فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح. وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها. فأتوا بها معجبين لا يشكون في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدفع إليهم، فوضعوها إليهم وقالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم، فقال أبو طالب: إنما أتيتكم في أمر نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله إليها دابة فلحست منها كذا وكذا ولم تترك فيها إلا كذا وكذا، فإن كان الحديث كما يقول فأقيموا فلا والله لا أسلمه حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم. فقالوا قد رضينا بالذي تقول. ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح. فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا هذا سحر ابن أخيك، وزادهم ذلك بغيا وعدوانا، وتلاوم منهم قوم وقالوا هذا بغي منا على قومنا، ومشوا في نقض الصحيفة حتى نقضوها.