وأما المزهود فيه فهي الدنيا التي هي ما حواه الليل والنهار، وأظلته السماء، وأقلته الأرض. أمر العباد بالزهد فيها بالاستصغار لها والاحتقار لجميعها، وندبوا إلى أن يتركوا منها كل مباح لا عون فيه على طاعة الله، ولم يندبوا إلى أن يتركوها كلها فيخرجوا عنها، بل فرض عليهم أن يأخذوا منها ما لا يتم ما افترض عليهم إلا بأخذه، وندبوا إلى أن يأخذوا منها كل مباح في أخذه عون على الطاعة.
فالمباح منها من أي نوع كان فيه عون على الطاعة كان الزهد في أخذه، وإن لم يكن فيه عون على طاعة كان الزهد في تركه.
وأما المُزَهِّد في الدنيا فشيئان منها زهدا فيها بعض من لا يؤمن بالبعث وبعض من يؤمن به: أحدهما: كثرة آفاتها، والثاني: فناؤها وفناء أهلها فيها، وزوالهم عنها قبل فنائها.
وأما المزهود من أجله الباعث على الزهد الذي عنه يكون الزهد فخمسة أشياء:
أحدها: أنها مفتنة مشغلة للقلوب عن التفكر في أمر الله.
والثاني: أنها تنقص عند الله تعالى درجات من ركن إليها.
والثالث أن تركها قربة من الله وعلو مرتبة عنده في درجات الجنة.
والرابع طول الحبس والوقوف في القيامة للحساب والسؤال عن شكر النعم.
والخامس رضوان الله والأمن من سخطه وهو أكبرها. قال الله عز وجل:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: ٧٢].
وأما المزهود له فهو الله عز وجل الذي رفض الزاهد الدنيا المحببة إليه ابتغاء مرضاته، وخوفا من سؤاله، وتقربا إليه وموافقة له في تصغير ما صغر، وبغض ما أبغض، رغبة فيما عنده عز وجل من جزيل الثواب وبالله التوفيق.
[فصل]
وقد قالت طائفة من العلماء: ليس الزهد في شيء من الحلال، وإنما الزهد