فأنزل الله عز وجل:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}[المائدة: ٤]»، الآية.
[فصل]
والجوارح الكواسب التي يصاد بها، وهي الكلاب والفهود والبزاة والصقور وما أشبه ذلك. ومن أهل العلم من قال لا يؤكل إلا صيد الكلاب. ومنهم من رأى أنه لا يؤكل صيد الكلاب البهيم. ودليلنا عموم قول الله عز وجل:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}[المائدة: ٤]، معناه: معلمين أي أصحاب كلاب قد علمتموها. وأصل التكليب تعليم الكلاب الاصطياد، ثم كثر ذلك حتى قيل لكل من علم جميع الجوارح الصيد مكلب فتكليبها تعليمها الاصطياد.
وقوله:{مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}[المائدة: ٤]، فالذي علمنا الله هو ما في طبع الصغير والكبير منا من إنشاد الجوارح وتضريتها على الصيد. فتعليم الكلاب هو أن يشليه فينشلي، ويزجره فيزدجر، ويدعوه فيجيب. وكذلك الفهود وما أشبهها. وتعليم البزاة والصقور وما أشبهها هو أن يشليها فتنشلي- ويدعوها فتجيب. وأما أن يزجرها فتزدجر إذا زجرت فليس ذلك فيها ولا يمكن ذلك منها، قال ذلك ابن حبيب. وليس قوله بخلاف ما في المدونة؛ لأنه إنما أراد في المدونة إن كان يمكن من جوارح الطير أن يفقه الازدجار، وتكلم ابن حبيب على ما يعلم من حالها بالاختبار. وأما النموس فقال ابن حبيب: إنها لا تفقه التعليم ولا يؤكل ما صادت إلا أن تدرك ذكاته قبل أن تنفذ مقاتله. وروى ابن نافع عن مالك أنه قال: إن أكلت من صيدها فلا يؤكل. وقال ابن القاسم: لا أدري ما هذا، الكلاب تأكل فيؤكل صيدها، ولكن إن كانت تفقه وإلا فلا يؤكل صيدها إلا أن تدرك ذكاته قبل أن تنفذ مقاتله.
[فصل]
وقَوْله تَعَالَى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٤]، ظاهره أدركت ذكاته أو لم تدرك، أكلت الجوارح منها أو لم تأكل، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه. وقال